^
menu
IslamiCity Logo
Nasamat
  

عن الكتاب

To read the book in English Click Here
لقراءة الكتاب بالإنكليزية إضغط هنا

إهداء

الى اسرتي كلها.. اعزّ ما املك في هذه الدنيا
الى الاخ والصديق والزميل
..الى كل من هيأ لي فرصة الكتابة وفسحة التأمّل

اهدي هذه النّسمات.

الملكية الفكرية


2012 © جميع الحقوق محفوظة للمؤلّفة

لا يجوز نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب في أي شكل من الأشكال أو بأية وسيلة من الوسائل سواء التصويرية أو الالكترونية أو الميكانكية بما في ذلك النسخ الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو سواها وحفظ المعلومات واسترجاعها دون إذن خطي من النشر.

خطوط الغلاف : الفنان حسين ماجد
صورة الغلاف بعدسة المخرج: زياد دويري

تحقيق وتصميم الغلاف: محبوبة حماد

ISBN:  978-1-935293-02-6

عن الكاتبة

INDEX

-1- مشاعر دفينة
-2- وداع على رصيف الميناء
-3- في طريق العودة
-4- الرحلة الأولى
-5- رحلة حاسمة
-6- احلام السعادة
-7- هل ستدوم سعادتي ؟
-8- الفراق
-9- اللقاء الحلم
-10- الارتباط المستحيل
-11- أحلام لم تتحقّق
-12- الأماني
-13- ... السنوات تمضي
-14- الإلغاء المستحيل
-15- هل لي بجواب صريح؟
-16- التفوّق على الذّات
-17- حتى آخر العمر

-1- مشاعر دفينة

مشاعر دفينة image


المراكب على ضفّتي النهر
تتمايل على نغمات حفيف الشجر،
تتلاقى وتتباعد وتتراقص على سطح الماء
.كالمحبين في ليالي الصفاء
النهر رقراق ينساب بلطف،
تلمع فيه حبيبات الماء
عاكسة نور الشمس او اضواء الليل،
فتبدو كعقد ألماس
يتباهى برونقه على صدر حسناء
اختارها بقلبه وعاطفته،
تزدان به ويجمُل بها،
يتلألأ ويشعّ نوراً
.فيضيء طريق المحبين
على مقعد خشبي، تحت اشجار وارفة الظلال،
اسندت رأسها على راحة كفّيها
..اخذت تتأمّل مياه النهر التي تنساب رقراقة
يسبح فيها البط، وتتطاير الحمائم والزغاليل،
ثم تغطّ في الماء لترتوي حيناً، او تلتقط ما تسدّ به رمقها
ثم تعود الى حافة النهر جماعات جماعات
تتراكض،
ترقص،
.تهدل جذلى
النهر سعيد بما عليه من حياة بريئة لهذه الحيوانات الأليفة،
تنعكس على سطحه الوان السماء الرمادية،
.ولا تظهر خيوط الشمس او لمعانها، الا لماماً
تنتصب على حفافه اشجار تتدلّى اغصانها خجلى،
وامامها اشجار تتعالى بشموخ
تتباهى باوراقها المتعدّدة الالوان،
فمنها الاخضر ومنها الاصفر او البني المطعّم بالنبيذي،
..وخلف كل ذلك، بيوت يظهر فيها الفن المعماري الراقي
ويؤلّف هذا كله لوحة من الطبيعة،
تُنسي ناظرها هموم الدنيا،
تجعله يسبح في خياله مع البطّ،
ويطيرباحلامه مع الحمام،
ويتراقص مع عواطفه مع
تمايل الاغصان،
و تنساب افكاره مع انسياب المياه برقّة،
ويعيش سعادة العمر
بعيداً عن زيف المادة
وقسوة الحياة
وانانية البشر
.وتلوّث المدنيّة
هي موجودة في ذلك المكان بجسدها،
اما فكرها
فكان يعيش في الماضي،
يستعرضه
.يوقظ فيه كل الاحاسيس
: فجأة تهيأ لها انها تسمع صوتاً يسألها

ـ فيمَ تسرحين ؟
في مسيرة حياتي، في مسلسل طويل *
.احداثه لا تزال تتراءى امامي
ـ وهل لي في هذا المسلسل من مكان،
من لقطة ولو وجيزة ؟

..لم تجب
وساد صمت طويل.
هل تُعلمه بالحقيقة ؟
هل تقول له ان وجوده طغى على كل وجود،
وان صورته محت كل ما عداها،
وانه اختصر كل الماضي
واستمرّ في الحاضر ؟
لم يخطر ببالها أن القدر سيسوق لها،
أمام جمال الطبيعة هذا، رفيقاً حبيبا،ً
طالما انتظرت لقياه،
.. وتمنّت صحبته، ولو لدقائق هنيّة
فجأة رأته يقترب بتؤدة،
: يتفحّصها عن كثب
هل يمكن أن تكون هي بالذّات ؟
كيف للقدر أن يجمع أو يفرّق كما يحلو له ؟
كيف يسير هذا الكون،
و كيف يرسم قدر البشر ؟
تأكّد كل منهما أن من يراه أمامه
هو المرغوب فيه..
فليكونا من ضمن هذه اللوحة الجميلة.
ليكونا جزءاً من الطبيعة الخلاّبة هذه.
ليكونا عصفورَيْ الحب يضمهما هذا المكان
وليتركا الأمور تسير دون أن يخطّطا
لحديث ما..
لنزهة ما.
وهكذا
دون سابق موعد
وبطريق الصدفة..
وجد كلّ منهما نفسه امام آلآخر.
كانت مصافحة عابرة،
الا انّ هناك مشاعر دفينة، مكبوتة، غير مرئيّة،
تحّركت وجعلت هذا السلام دعوة ملحّة لجلسة تجمعهما،
دون ان يبدي ايّ منهما رغبة معلنة عنها.
مجرّد نظرة بريئة،
تلاقت العينان . . تفاهمتا،
واتفقتا على الجلوس سويّاً.
لأي سبب ؟ لأية غاية ؟ ما وراءها ؟
ماذا ينويان التحدث عنه ؟ الى مَ ستنتهي ؟
كل ذلك لم يكن معلوماً و لا مخطّطاً له.
وذابت السنون بملح البصر، لحظة التقى وتشابك النظر.
كل منهما امام الآخر
وجهاً لوجه،
المفاجأة بادية على كليهما
تصافحا باليدين،
بالنظرات،
بالابتسامة الحلوة،
بالعاطفة الدافئة.
جلسا دون كلام..
والكلام يتدفّق غزيراً داخلهما.
..مرّ شريط الماضي
لا، بل حلم فيه من الحنان والعاطفة.
والحب المفقود، الشيء الكثير.
مرّ هذا الشريط الوهميّ بخلد كل منهما،
في داخل كلّ منهما،
إلا إنه كان كالمرئيّ في كليهما،
و كأنه حقيقة يستعيدانها.
كلّ منهما في عينيه الدهشة لهذا اللقاء
الذي كانا يترقبانه في اللاوعي.
وها هي الأيام تجمعهما لتحقيق حلم
.كان بحكم المستحيل
جلسا متقابلين،
الواحد يدعو الآخر للبدء بالحديث..
ودائماً دون حديث،
ودون التفوّه بكلمة.
كان الخوف من صدود محتمل،
او من لا مبالاة او عدم رغبة في اللقاء..،
تسيطر عليهما..
تناقض لا يمكن فهمه، الا من قِبل المحبين
الذين يرغبون في شيء
ويخافون حصوله.
يتمنّون لقاء
ويتوجسون من ان يكون الآخر غير راغب فيه،
او لا يلقى تجاوباً.
بقي الصمت سائداً للحظات،
: تهيؤاً للحظة حاسمة
إما متابعة الجلسة،
وما يمكن ان يبوح به كل واحد
عن مكنوناته وامنياته ورغباته..
وإمّا مدّ اليد للسلام والوداع للقاء آخر..
ربما بعد سنوات طوال.
من يريد ان يقول جملة..
فلا يصعب عليه قولها.
و من يريد ان يخطّ عبارة..
فلا يعيقه اخذ ورقة وقلم، لتدوينها.
أمّا مَن في داخله سيل من الكلمات،
وينبوع يفيض بالعبارات المتلاحقة،
فكيف له ان يبدأ ؟
و من اين ؟
قطع عليهما الصمت صوت النادل،
: يسألهما عمّا يريدان طلبه
شراب . . طعام ؟
اي نوع . . و متى ؟
على وجه السّرعة
ام بعد راحة واستمتاع بجمال الطبيعة والمكان ؟
كان لا بد من طلب شيء..
ولكن ماذا ؟
الطعام غير سائغ في مثل هذه الجلسة
التي تتضارب فيها الافكار داخلياً.
وتتأرجح التكهّنات بين راغب في اللقاء
او رافضه من قِبل الفريق الآخر !!
لا بدّ من اطفاء حريق الداخل،
وفكّ عقدة اللسان..،
: لا بدّ من ادخال بلل الى الحلق، يُبعد الغصّة ويليّنه
فليكن حساء مكثّفاً مع الكريما
وجد هذا الطلب تجاوباً منه،
فكان طلبه مماثلاً.
أثار ذلك تساؤلاً لديها..
هل فعل ذلك محبّة ؟
إظهاراً لوحدة الرغبات ؟
مجاملة ؟
ام انه يعاني ايضاً من غصّة
اراد تجاوزها بحساء يليّن الحلق الملتهب ؟
لا زال كل منهما يحاول قراءة الآخر،
علّه يطفىء لهيب انتظار صعب
تمنّى لو تكون نتيجته بدرجة امتياز.. لا اقل من ذلك.
فالصبر الطويل،
والسنوات الطوال الطوال التي فرّقتهما،
تستحق هذه المكافأة.

*مكان جميل ..

قالتها بصوت خافت مرتجف،
عكس الصراخ في داخلها،
حيث تناديه للتواصل،
ولا يصل الصوت الى لسانها،

ـ كل ما في المكان جميل .. و من فيه ايضاً.

روعة الطبيعة تغسل الهموم*
وتعيد الانسان الى شباب مضى
وسنوات طويلة خَلَت.

ـ والى ايٍّ من هذه السنوات تحبّين ان تعود الأيام؟

الى سنوات الدراسة.. الى اواخرها*
وتتوقّف،
ويتوقّف الزمان،
و تستمر الحياة طويلة طويلة في تلك الفترة بالذات.

ـ حلم ليته يتحقّق..
!! ولكنك تطلبين المستحيل
فكيف للزمن ان يتوقّف، وللحياة ان تستمر ؟
لا بد ان يسيرا سويّاً،
إما في التوقّف او في الاستمرار.

الواقع شيء لا يمكن ان نغيّر من قوانينه الطبيعية،*
اما التمنّي،
اما الأحلام التي نرسمها بإرادتنا
ونلوّنها حسب رغباتنا،
فهي لنا وملكنا
نصنعها كما نشاء
ونعيشها خارج قوانين الزمن،
بل مغايرة لها...
اذا كان في ذلك سعادة لنا.

بسط يديه على الطاولة ذات الغطاء الابيض
حرّكهما،
اعادهما الى ركبيته،
ثم اعاد بسطهما على الطاولة،
وراحتاهما الى الأعلى،
كأنه بذلك يدعو الآخر الى الاقتراب،
الى تشابك اليدين
ودائماً بصمت يخيّم، وبترقّب لشيء ما يحدث.
افكارهما تتلاطم كامواج في العاصفة
الرغبة والشوق،
يلجمهما خوف من مجهول يعكّر صفاء الجلسة.
يفكّران، يتناجيان، يتهيآن، لقول اشياء واشياء دفينة...
والصمت المطبق سيّد الموقف.
ليس سوى النظرات تتلاقى..
ثم يُغضّ الطرف.

ـ كيف لي أن أمسك بيديها الآن،
وما تجرأتُ على فعل ذلك وأنا في العشرين ربيعاً ؟

هكذا بدأ الحوار '' الصامت '' بينهما..
وكأنّ تواصلاً اكيداً يجمع افكارهما.

ـ لم أجرؤ على احتواء يديها بين يديّ.
كانت مثالاً للفتاة الخلوق
التي لا تسمح لأي شاب أن يسيء اليها.

انه يدعوني اليه، يمدّ يديه اليّ ليحتويني..*
ما باله لا يُتم الخطوة ؟
أخائف من صدّي له ؟
إنه على حق
فهو يعلم أنني لاأسمح الآن
بما حرّمته على نفسي في أولى سني الشّباب.

ـ سأكون أكثر جرأة الآن
سألجأ إلى الخطوة التي تمنّيتها طويلاً،
سأقترب منها
وأمسك بكلتا يديها لتستريحا بين يديّ...
لا.
عليّ التريّث لاطمئنّ من أن خطوتي لن تلقى الرفض،
فهذا معيب لرجل في مثل سنّي،
!! كما هو مؤلم أن أُرْفَض مرّتين

ما سبب تردده ؟*
إخلاص لأسرته ؟
خوف من ردّة فعل غير مرغوب فيها من قِبلي ؟
أم أن الشباب الذي تمنّاه فيّ قبلاً، لًا
لم يعد يعنيه بعد توالي السّنين ؟
توالي السّنين ؟
ألم يتقدم به العمر هو الآخر ؟
و هل توقّف الزمن بالنسبة إليه، ليحتفظ بشبابه،
!! وأسير أنا نحو الشيخوخة
ربما إخلاصه لأسرته، هو الدافع لصمته..
وهذا غير بعيد عن تصرفاته السابقة
إذ كان نبيلاً، شريفاً
ألتهذيب عنوان تصرّفاته،
والّلياقة صفة لم تبارحه في جميع الظروف.
و لكن لماذا نتكلم عن الإخلاص في هذا الموقف ؟
هل إذا ما تكّلم بأي موضوع،
لا يمتّ إلى المشاعر المتبادلة..
هل في ذلك إساءة ؟
وهل المطلوب منه حديث فيه بثّ أشواق دفينة ؟
إن هذا الافتراض مستبعد ايضاً،و
ولا موجب لذكره أو الخوض فيه.
اذن ليس امامي سوى افتراض واحد،
وهو خوف من صدٍّ يجرح كبرياءه.
فاذا ما اطمأنّ إلى تجاوبي معه،
فلن يكون هناك مانع
من عناق الأيدي
وتواصل الروح
وتبادل الحنين،
واستعادة شباب العمر الضائع،
واختصاره بلحظات هناء.

لا زالت يداه ممدوتين بصمت معبّر.
تابع بنظره عصفوراً
يرفرف بجناحيه على غصن شجرة تظلّلهما.
تذكّر يوم صافحها،
وكان لا زال على مقاعد الدّراسة،
وكانت يده ترتجف حبّاً و هياما،ً
ترتجف على نغمات دقّات قلبه المتسارعة،
كالعصفور المنتفض امامه الآن.

ـ هل تذكرين عندما تصافحنا
دون أن تبدر أية إشارة أو حركة تنمّ عن حبي
سوى رجفات من يدي...
علّها تخبر ما عجز اللسان عن البوح به ؟

!! *يداك لا زالتا خائفتين من الاقتراب
اتذكر يوم صافحتني في باحة المدراسة،
و ما شعرتُ إلا بيدك تهتزّ كبركان في يدي ؟
لم أدرك يومها ما تعنيه هذه الإشارة،
اعتقدت أن برودة الجو كانت السبب..
واقتضى مني فترة طويلة بعد ذلك،
لأعرف أنها كانت علامة حب عميق طاهر.

وفجأة..
ترافق عناق النظرات باقتراب الأصابع على الطاولة
ذات الغطاء الأبيض..
أبيض كطهارة قلبيهما وروحيهما.
ورويداً رويداً، أغمضا عينيهما
وحلما بالتقاء الأيدي بحرارة
اذابت السنين الماضية،
وكأنهما عادا الى بدء شبابها.
راحة شعرا بها،
لا يوازيها أي نعيم،
ولم يتذوقاها قبلاً.
استعاد كل منهما صور الماضي البعيد...
منذ اللحظات الأولى لمعرفة أحدهما بالآخر،
وكانت ذكريات تتلاحق وصور تتوالى أمامهما.
عادا إلى ماض حسبا الزمن قد محا آثاره..
إلا أنه برز فجأة
بكل دقائقه وتفاصيله.
عادت به الذكرى الى فترة
كان دم الشباب يتدفّق
وحرارة العواطف تتأجّج.
ألا أن ما يجمع الماضي بالحاضر،
كان صمتاً لا يخرج إلى العلن
وحواراً يظلّ طيّ الكتمان..
ويتناقله الفكر.. دون اللسان.


-2- وداع على رصيف الميناء

وداع على رصيف الميناء image

ـ وقفتُ على رصيف الميناء..
أتطلّع خفية إلى ركاب السّفينة.
فجأة..
وجدتكِ تلوّحين مِن على متنها للأهل الذين يودعونك.
كنتِ يومها ـ كما أذكر جيداً، ولو بعد طول السنين ـ
تقومين برحلة إلى مصر مع مجموعة من الطلاب.
علمتُ بسفرك،
فما كان بوسعي إلا توديعك ولو بنظرات خفيّة..
ولو بزفرة حرّى ينفثها القلب،
علّ نسيم البحرينقلها اليك ويحمّلها الشوق والحنين.
لم تشعري بوجودي،
فمعرفتك بي لم تكن تتعدى فترة قصيرة،
ولم يكن بيننا إلا سلام عابر.

أبحرت السفينة وغابت عن ناظري،
ولم يبق لها من أثر
حتى ولا الزّبد الابيض الذي خلّفته وراءها.
لم أغادر الميناء،
وشعرت أنّ رجليّ قد تسمّرتا في مكانهما.
لم أقوَ على المسير،
لم أقوَ على متابعة آثار السّفينة
التي لم يعد لها من أثر ظاهر..
تراءيت لي تسبحين في الأفق البعيد
تلوّحين بكلتا يديك..
سمعتُ همساً في أذنيّ،
وكأنّه رجع الصدى لصوتك
يعدني بأنّك ستعودين قريباً لملاقاتي،
ستعودين وبيدك هديّة لي أحتفظ بها للذكرى...
توقّفت عن حلمي هذا،
طردت أفكاري المسافرة معك عند كلمة... الذكرى.
رفضتها لأنني لم أرغب في أن تكون بيننا ذكرى
بل واقع نعيشه سوياً، و
أن نكون كتاباً نؤلّف قصته سويّاً،و
أن نكون دفتراً نخطّ فيه كلّ حرف وكلّ كلمة سويّاً..
!! للذكرى

هي قاسية على قلب بكر
يتفتّح للحياة،
مؤلمة لمن يعيش حبّاً أوّل،
فيه كلّ أزاهير الرياض،
فيه كلّ الرّجاء بسعادة دائمة.

أشعّة شمس الظهيرة
ساهمت في إذابة حلمي وشرودي،
وكان لا بدّ لي من العودة،
لكن بخطى وئيدة متثاقلة،
وأفكار تتهادى فيها أمواج من الحنين
تنقلني على شراع يسابق الريح،
يلحق بك ويحطّ بي في سفينتك،
علّ رحلتنا البحرية تفسح لي
مجال التقرّب إليك واستمالتك.
ليتني كنت معك خلال هذه الرحلة..
وعن طريق البحر بالذات.
ألم تسمعي بالمثل الذي يعتبر
أن قلّة من النساء هن اللواتي يصمدن خلال رحلة بحرية..
عشت يوماً بيوم، أنتظر قدومك
وكم كانت مفاجأتي
عندما التقينا وقدّمتِ لي علأّقة مفاتيح
عليها رسم جمال عبد الناصر،
وضعت فيها مفتاحاً،
كان يرمز لي في حينه، أنه مفتاح قلبك الذي سألج إليه.
مضت الأيام
صدء المفتاح، والقلب دونه.
لم يكن المفتاح المطلوب والرغوب فيه.
لكن العلاّقة بمفتاحها، لا زالت محفوظة في علبة مقفلة،
أعود إليها خلسة
أيام اشتداد الحنين وثورة الذكرى..
حيث فعلاً أصبحت للذكرى.
أتذكرين ؟

كم كنتُ ساذجة.. *
لقد اقتضى مني سنوات بعد ذلك،
لأعود بذاكرتي إلى الماضي البعيد،
وأرى الأمور واضحة والصور تتوالى أمام ناظري،
أمحّصها، أحّلل تفاصيلها
تماماً كما حصل عندما أدركتُ معنى رعشة يدك في يدي
عند السلام . . . ولكن بعد سنوات أيضاً.
إن ما أحاوله الآن، هو جمع القطع المتناثرة من حياتنا،
لتكوين اللوحة الكاملة..
اللوحة التي يُضاف إليها كل فترة لون أو حدث جديد،
تكبر وتكبر،
تتّسع مساحتها حتى تستغرق كياني وواقعي،
وتصبح حياة بكاملها،
تتحرّك فيها الصور
وتتكلّم الأفواه
وتعزف موسيقى الحب الخالد.

كل حدث كان يذكِّر بآخر
وكل صورة تستتبع ما بعدها..

-3- في طريق العودة

في طريق العودة image

ذلك المساء *
في طريق العودة من المدرسة برفقة صديقتي..
انضمّ الينا، وسار معنا.
كانت المسافة التي تفصلنا عن منزل الصّديقة،
لا تتجاوز مدة السّير فيها رُبع السّاعة،
بعدها غادرتْنا
وبقينا نحن الإثنين معاً.
توقفتُ عن المسير.. و كأنني أطلب منه العودة،
لأمضي في طريقي بمفردي
: لكنّه بادرني بالسؤال المفاجئ
"هل تزعجك مرافقتي لك؟"
شعرت بالإحراج.
لم أرغب في أن تبدر مني كلمة جارحة،
فقد كان شديد اللياقة،
رفيع الخلق، رقيقاً..
: فأجبته دون تردد
"لا، لا...."
وكنت أقصد أن لا ضرورة لهذه المرافقة..
إلاّ أنه فهم ردّي ، و كأنّه قبول منّي، أو رغبة في ذلك.
وقبل أن أتمّ جملتي..
تابع سيره.
وسرنا معاً...
ربع ساعة أو اكثر بقليل، ولاوّل مرة،
مشينا لوحدنا.
كان هو البادىء بالكلام..
لم أعد أذكر ما دار بيننا من حديث عام،
الا أنّ هناك جملة لا زالت عالقة في ذاكرتي،
: قلتها له بعد أن تحدّث عن موضوع دار بينه و بين أخيه الأكبر
فوافق معي..
وفهمتُ من مجمل الحديث،
أنّه باح له بحبّه . . وعرف أخوه أمره وحاله.

وصلتُ إلى منزلي..
كم كان الوقت يمرّ سريعاً
سلّم عليّ وتمنّى لي ليلة سعيدة،
وعاد...إلى منزله
أو إلى شاطىء البحر... ربما،
يناجي الأمواج والشاطىء
ويسامر النجوم والبدر المضيء.
و لم يكن لأحد منّا أن يعلم ما إذا كانت هذه المرافقة
ستكون الوحيدة..، و لن تعقبها أخرى.

-4- الرحلة الأولى

الرحلة الأولى image

ـ كانت ليلة حافلة بالأماني الحلوة،
لم يتسنّ لي فيها النوم سوى فترات قليلة،
إذ كنتُ أرسم لنفسي لوحات السعادة التي سنتذوقها معاً
خلال رحلتنا مع الأصدقاء.
فالطبيعة الجميلة
ستضاف إليها روعة اللقاء طيلة اليوم،
وسنمضي ساعات هناء
قد تكون مناسبة أتجرأ خلالها على إطلاعك
على مدى شعوري العميق تجاهك،
ومعرفة ما تضمرينه لي من مودّة.
حتى لحظات السبات
لم تكن الأحلام فيها لتختلف عن حالتي في اليقظة..
بل كانت استمراراً لها.
تمنّيت لو تتحقّق، نذوب معاً
لنؤلّف كياناً واحداً لا ينفصم.
ما أن بزغ الفجر، حتى كنتُ أول الوافدين إلى مكان اللّقاء.
الأصحاب، لم يحضر أحد منهم..،
ألحافلة، لم تصل بعد...
لم يحن أوان الإنطلاق.
لكن لم يكن بإمكاني الإنتظار..
كنت على أحرّ من الجمر لبدء هذا اليوم،
برحلة هيّأت لها نفسي أياماً، ن
وتمنّيتها لنكون سويّاً،
نعيش شبابنا السعيد
نملأ الدنيا بفرحتنا وحبورنا.

اجتمع شمل الأصحاب والرفاق،
انطلقنا قبل شروق الشّمس،
وانطلقت معنا الأهازيج والأغاني..
كنت أحمل معي آلة الإيقاع المعروفة بالدّربكّة،
إذ كنت قد تعلّمت الضرب عليها منذ طفولتي،
و كان إيقاعها يعطي للنّغم رونقا،ً
ويحثّ الجميع على الرقص والتمايل
مع الأنغام الجميلة الصاخبة.
كنت مع كلّ نقرة عليها،
أقرع باب قلبك وأناديه للتواصل.
ومع كل إيقاع يصدر عنها،
، أرسل معه مناجاة
علّها توصل رسالة لم أخطّها بيدي،
.بل نَسجْتُها بخيوط حنيني ومحبّتي
وصلنا إلى مكان فسيح،
فيه الأشجار الوارفة الظلال،
تصطفّ على ضفتيّ نهر ينساب رقراقاً.
وهناك صخرة منزوية، رأيتك تنتحين فيها جانباً.
وبيدك كتاب تقرأين فيه..
وكأنّ ساعات الراحة لديك لا لذّة فيها دون الاستزادة
من العلم و المعرفة والثقافة
رأيتكِ،
بعد أن بحثت عنك في كلّ مكان
خوفاً من أن يكون غيري قد حظي برفقتك،
وحاز على قلبك واهتمامك.
عندما لمحتك من بعيد، اقتربت قليلا قليلاً،
وأطللتُ برأسي من خلف شجرة،
أرقب حركتك، وأتبيّن مَن معك.
كنتِ تجلسين إلى جانب صديقتك
...'' وتديرين ظهرك '' لأحدهم
كم أثار هذا المنظر قلقي
: ورحت أتساءل
هل كان يحاول التقرّب منك ؟
هل يتبعك ؟
لِمَ يجلس على الزاوية الأخرى من الصخرة
التي انتقيتِها أنت ؟
هل أنتِ التي رغبتِ في مجالسته ؟
أم أن إدارة ظهرك له هي رفضٌ لوجوده ؟
أسئلة توالت في ذهني
دون أن أصل إلى جواب لأي منها،
وكان لا بدّ من موقف أتّخذه،
يهدّيء من روعي
ويدخل السّكينة إلى نفسي.
الشيء الوحيد الذي أستطيعه،
هو متابعتك في ما تبقّى من الرّحلة..
لم تبدُ منكِ أية علامة تشير إلى الإهتمام الخاص بأحدهم..
كان الجميع أصدقاء، ويُعامَلون ضمن
علاقة الصّداقة
وحدود الأخلاق التي عرفتها عنك.
نمتُ يومها بارتياح،
لكن صمّمت شيئاً كان لا بدّ من التخطيط له
: والعمل الجديّ لتحقيقه
لا بدّ من إطلاع الأهل على رغبتي،
وأخذ رأيهم، ومباركتهم لما انويه...
فالأيام تمرّ مسرعة
وعليّ عدم تفويت فرصة قد يقتنصها غيري
ويزاحمني في طلب ودّكِ . . ويدك.
ولكن،
هل أُرفض لأنني لا زلت طالباً.
فأنا لم أُتمّ تعليمي بعد،
ويقتضي مني الجهد والدرس والعمل الطويل،
لأكون جاهزاً لتأسيس أسرة
أعيلها وأكون مسؤولاً عنها.
لن أُرفض،
ستكونين بجانبي تؤازرينني،
وتُقنعين الجميع بصوابيّة قرارنا.
سنتغلب على كلّ الصعاب
وسنحقّق أمانينا معاً....
ما لي قد تماديتُ في أحلامي،
وأقنعتُ نفسي بموافقتكِ ورغبتك بالإرتباط بي،
!!وأنا لم أبدأ بعد خطوة في هذا المجال معك
صحيح أنّ أحلام الشباب تتعدّى المسافات،
وتتجاوز الأزمات،
وتقفز فوق كل العراقيل وتتخطّاها..
لكن عليّ أن أبدأ..
أن أجرؤ على المصارحة..،
وبعد ذلك، بإمكاني بناء قصر الأحلام..
حتى لا يكون قصراً يُبني في إسبانيا !!
لا بدّ من لقاء بينك و بين أهلي..
لا بدّ من رحلة أخرى يتمّ فيها ذلك.

-5- رحلة حاسمة

رحلة حاسمة image


سرّحتُ شعري ووضعت مشبكين يضمّانه إلى الخلف، *
كي يظهر القرطان الأبيضان على أذنيّ.
لبست يومها ثوبي الأحمر ذا الياقة البيضاء
لِمَ أخترتُ ثوبي هذا ؟
ولِمَ الياقة البيضاء والقرطان الابيضان ؟
أليسا عنوان الطّهارة والصّفاء ؟
لِمَ كان اللون الأحمر هو الذي يجتذبني ذلك اليوم ؟
أكان شعوراً خفيّاً يعكس التهاب المشاعر ؟
أكان إلهاماً وقدراً دفعاني لارتدائه، لأبدو بكامل أناقتي ؟
أهو اللون الأحمر الذي اجتذبني يومها،
أم أن الَقَصّة التي تميّز بها ثوبي،
أي الأميرة، princesseوكانت تعرف باسم ال
كانت الدّافع الخفيّ لأكون بالفعل أميرة متألقة في ذلك اليوم ؟
كانت رحلة لاستكشاف البلدات والقرى في هذا الوطن،
بكل ما فيه من مناطق كستها الطبيعة خضاراً،
وروت أرضها ينابيع وأنهار وشلالات ولا أروع.
تجمَّعنا قبل شروق الشمس،
واستقلّينا الحافلة
لتجوب بنا قرى وبلدات لم نكن نعرفها قبلاً.
و في طريقنا،
كان بزوغ الشمس من خلف الهضاب
يترافق مع نور الأمل في قلبينا،
نتنشق الهواء العليل بملء رئتينا.
نصفّق ونغنّي ونغرّد كعصفوري الحب..
وكلٌّ منّا في مقعد بعيد عن الآخر،
نرمق بعضنا سرّا،ً
مطمئنّين إلى وجود كل منّا مع الآخر..
ولا حرج من أمتار قليلة تفصل ما بيننا..
فتواصُل القلوب لا تضيره المسافات
ولا تعيقه الحواجز،
ولا يمنعه الصمت وعدم البوح، بما يجيش في النفس.
في كل موقع جميل، يحطّ رحالنا، نتأمّل الطبيعة،
نزور بعض المواقع،
نتسابق الخطى
نطير دون جناح من صخرة إلى صخرة
ونرتشف مياه الينابيع من أيدينا ونرشّها على بعضنا،
نقطف الأزهار،
نزيّن بها شعرنا أو سترتنا،
ونجوب الحقول والبساتين،
نسرق من ثمارها ما يطيب لنا،
..نأكله بشهيّة من حُرم من الطّعام أياماً
!!فالسّعادة تضفي على الطعام نكهة ولا أطيب

وقفت الحافلة أمام منزل
قالوا لنا بأن ندخله لتناول بعض المرطبات،
وأخذ قسط من الراحة.
دخلنا،
سلّمنا على أهل البيت وهم كُثر،
لاقونا بالترحاب والتأهيل..
تسابقوا لإكرامنا والاحتفاء بنا..
!! علمت أنه منزله العائلي
أدركتُ حينها
معنى النظرات التي يرمقني بها أفراد عائلته..
وكلها تنمّ عن الرضى والقبول بما اختاره ولدهم.
الصورة لم تعد واضحة أمام عيني بعد طول السنين..
ولكن صوت أخيه الأكبر،
لا يزال يرّن في أذني حينما اقترب مني و قال..
إنّهم سيزورونني قريباً.
وصلت الرسالة
واطمأنّ البال،
وتواصلت الأحلام السعيدة
وأصبحت الرحلة بعد ذلك ذات منحىً مختلف..
لم تعد الطبيعة لتستلفت نظري..
لم تعد الأهازيج والأغاني تسمعها أذنيّ..
لم يعد هدير محرّك الحافلة يزعجني..
فالطبيعة قد أضيف إلى ألوانها لون زاهٍ مشرق،
والأغاني التي أسمعها وأشارك فيها،
أخذت سيمفونية خالدة تطغى نغماتها على أي لحن آخر،
ودقّات القلب تتسارع وتُسمع
وتطغى حتّى على صوت المحرك.
إن ما تجرّأ الأخ على قوله..
كان كافياً لمعرفة ما يدور في خلده هو منذ زمن..
كان الخجل يمنعه من التّعبير،
وسبباً يجعله يخفي ما
يحسّ به وما يودّ التصريح عنه..
حتى جاءت المناسبة الحاسمة،
ونال موافقة الأهل
وترك الأمر لأخيه لإعطاء الوعد بالزيارة،
وما تعنيه هذه العبارة.

-6- احلام السعادة

احلام السعادة image

طريق العودة تراءت أروع وأبهى، *
كيف للأشجار أن تبدو أجمل، وهي لم تتبدّل،
كيف لظلام الليل أن يتبدّد، ودونه شمس تنيره.
إنه نور الامل، يشعّ فيضيء أعمق الأعماق.
إنه زهرة الحب تتفتّح، فتنشر أريجها وتعطّر النسائم،
هكذا كانت طريق العودة، بل وأكثر.
لم يقتصر حضورنا على تواجد في مكان واحد...
بل اخْتُصرت المسافات،
وأصبح المقعد الخلفي للحافلة،
الذي يضمّ عادة الناشطين في اللّهو والغناء،
أصبح لنا مكان فيه،
جنباً إلى جنب،
وذراعاً تلاصق الذّراع،
ونظرات تتلاقى دون حذر.
ـ أتذكرين ما ردّدناه طويلاً من أغانٍ،
أتذكرين أغنية عبد الحليم حافظ
: التي ينشد فيها
فات جنبي وعيونو حبايبي
نسّوني اللي عايشين جنبي..
ورحنا نردّد مرّات ومرّات :
جنبي. . جنبي
نصفّق ونغرّد ونسبح في فضاء الأماني والآمال والسعادة ؟

هي صُور حفرت في ذاكرتي، *
لن تمحوها الأيام،
وستبقى برعم وردة لا يذبل،
بل يتفتّح ثم يعود ليزهر ويعطّر النفس التوّاقة دوماً
إلى الشباب،
إلى العاطفة،
إلى نعيم لا يزول.
ـ برعم ورد لا يذبل.
إن قولكِ هذا يذكّرني ببطاقة عليها رسم وردة،
أرسلتِها لي..
لا زلت أحتفظ بها مع علاّقة المفاتيح.
إنها وردة بلون تأجّج الحب في أعماقنا
ودفق الدماء في قلبينا
أرسلتِها لي دون توقيع،
وتمنيتِ لي عاماً سعيداً وأملاً بتحقيق آمالي.
لا زالت الوردة بشبابها،
لم يغيّرها الزمن،
لم يتبدّل لونها رغم فراقنا،
كانت تعكس ما في داخلنا. . واستمرّت تعاند القدر..
تتحاشى الرياح والأنواء،
تنتصب متحدّية الصعاب،
لتثبت أن لا حب الاّ للحبيب الوفي
يدوم و يدوم ، ولو غفا او انكفأ.
يكفيه لقاء واحد لينفض غبار النّسيان
وينتصب مارداً
: يقول للمحبين
أنا هنا لأعيد ما انقضى،
لأبعث الحياة أكثر حلاوة،
وأعمق تجذّراً،
وأطول عمراً،
إن كل حادثة تذكرها، *
تعيد إليّ ذكرى أخرى،
حسبت الزمن قد طواها وغابت عن الذهن..
: اتذكُر كم ردّدنا اغنية عبد الوهاب
ياورد مين يشتريك
قول للحبيب يهديك ؟
كانت هذه الأغنية، رسالة خفيّة فيما بيننا،
اؤكد لك فيها أنني انا التي أرسلت بطاقة
عليها رسم وردة حمراء..
وتؤكد لي أنت فيها، أنك قد استلمت الرسالة،
وها هو مرسلُها أمامك،
يناجيك فتجيب،
ينشر حولك وردة تلو وردة
تتلاحق دون كلل، لتعوّض الصمت والكتمان،
وتؤكّد أنت بدورك أنّ كل وردة تلقّيتَها،
ستردّها باقة،
بل روضة ورود،
نفترشها لنسير معاً يداً بيد على بساطها اللامتناهى،
حتى آخر العمر.
ـ كم كان للأغاني من معنى فيما بيننا،
اذا غنّيناها، نعنيها،
وإن سمعناها، نعلّق على بعض منها،
دون أن ينتبه الآخرون لما نعنيه..
أتذكرين عندما كنا في قاعة كبيرة،
ولمناسبة لم أعد أذكرها، وقبل البدء بالإحتفال،
كان صوت فيروز يصدح في المكان.
: لن أنسى أغنيتها تلك التي تقول فيها
حكيت معو من ايمتي . . مش فايقه..''
.''يمكن بإيام الشتي مش فايقه
فما كان مني إلا أن أجبت مباشرة : بالشتي بالشتي.
أي كنت أؤكد لكِ أن لقاءنا كان في بدء فصل الشتاء،
أيام الدراسة،
حيث ألتقيك في باحة المدرسة أو ملعبها أو ممراتها..،
كنتِ أنت المعنيّة وأنت الهدف وأنت الأمنية.
نعم.
كانت معرفتي بك في أوائل فصل الشتاء.
كان لقائي بك كل يوم لا يتجاوز الثواني القليلة،
و لم يكن يتعدّى فترة التحيّة،
كانت يدي خلالها تحتضن يدك الناعمة،
وكلّي أمل لو
يطول السلام وينسانا الزمن،
وتبقى يدانا متشابكتين.
كم تمنيت لو أضمّ هذه اليد إلى صدري.
أدعها تحسّ بخلجات القلب،
علّها تستمد من حرارة داخلي
ما يؤمّن لها الدفء والأمان.
أصبحت برودة يديك تذكّرني دوماً بفصل الشتاء،
بفصل ربيع العمر
وتفتّح أزهار الحبّ عندي.
لا أعلم إن كنتُ في غفلة من أمري
قد بُحت لأحدهم بأن يديك الباردتين أحبهما، أحبهما..
ألجأ إليهما لأطفىء ما يشتعل في قلب شاب يافع
وجد ضالّته، وأصبحت طيفاً يلازمه
وصورة لا تنفصل عن مخيّلته.
أصبح مَن حولي يمازحونني ويسألونني
عمَّن هي صاحبة هاتين اليدين..
كان جوابي لهم صمتاً طويلاً متواصلاً..
ولكن عين المحبّ تكشف اسراره
!! لقد عرفوا من أعني وحدّدوا الهويّة
سامحيني، لم يكن لساني مذنباً بالبوح،
من أفصح عنك كانت عيناي،
كانت التفاتتي كلّما مررتِ.

-7- هل ستدوم سعادتي ؟

هل ستدوم سعادتي ؟image

ـ طيفك يرافقني
يلازمني
يحيط بي
يلاحقني أنّى ذهبت
يحلّ بي أنّى حللت.
،إنني سعيد به
أكتفي به.
لِمَ تقتصر أمنياتي على الطّيف والخيال والأحلام ؟
،هل صحيح أنّ العاطفة التي تلقى متنفّساً لها
تذوب و تضمحلّ مع الأيام..
وإذا ما كُبتت، تنمو وتترعرع في طيّات الظلام ؟
اعتقدت أن ارتباطنا أصبح وشيكاً، حتميّاً..
ثم فجأة وجدت جفاء منك، انكفاء لم أدرك له تفسيراً.
: كنت أتساءل
هل أحببتِني ؟
إذ لم تبدر منكِ أية إشارة تفيد بذلك،
رغم أن شعوري كان يؤكّد مبادلتك لي العاطفة
بمثلها،
والرغبة في الإرتباط بي،
دون البوح بخفايا نفسك و حقيقة مشاعرك.
ألاّ أنّ هناك سؤالاً طالما راود فكري،
وكم تردّدت في طرحه.
حاولتُ تجاوزه و تناسيه،
إلاّ انّ موقفك مني وعدم تجاوبك،
: كان و لا زال يعتمل في نفسي ويقضّ مضجعي
لمَ ابتعدتِ عني ؟
هلّ لي بجواب يريحني
ويعيد الإطمئنان إلى ذاتي ؟
تسألني لماذا أعرضت عنكَ ؟ *
أعرضت عنك خوفاً من نار تتأجّح في أعماقي،
نتيجة خيانة قد تحصل او تبدر منك،
بدت علاماتها تظهر.
وهرباً من آلام قد تنهش في أعماق نفسي و تعتصرني،
وغيرة تقضّ مضجعي، وتظلم نهاري.
آثرت الإنكفاء،
فضَّلت اختصار عذابات مستقبلية لن أستطيع تحمّلها،
واكتفيت بدموع حسبت الزمن سيكفكفها.

ـ عمّ تتكلمين ؟
ما هي الآلام التي هربت منها ؟
والعذابات التي اختصرتها بالابتعاد ؟
ما سبب الدموع التي لم يستطع الزمن أن يكفكفها ؟
غموض يثير تسأؤلاتي...
أفصحي
كانت لك محاولة (!!) مع رفيقة لنا.. *
ولكنّها صدّتك ولم تستجب.
هذا ما أعلمتني به صديقتي
تنقله إليّ بمعرض حديث عابر،
لم يكن يبدو نميمة او وشاية،
إذ لم تكن لها أيّة مصلحة في ذلك،
ولم يكن اختلاقاً منها.. بل ترداداً لما سمعته.

كان الخبر مفاجئاً.
مستغرباً ومؤلماً
لم استطع له فهماً ولا تفسيرا،ً
خاصّة وأنّ الأيام لم تكن قد أعطتني خبرة في الحياة.
ولم يكن بإمكاني سبر غور الأمور،
.والتكهّن بالخلفيّات لمثل هكذا أقوال
: كنت أتساءل
كيف له أن يُغرم، بل يذوب شوقاً بفتاته،
ويعمل جديّاً ويصمّم على الإرتباط بها،
ويُعلم أهله وبعض أصدقائه بذلك..
!! ثم يحاول مغازلة أخرى
ليس بكلمات رقيقة
قد تؤخذ أو تفسّر على محمل المجاملة،
!! إنّما بأكثر من ذلك
ما الأمر؟
ما الأمر ؟
ماذا تخفي هذه الظاهرة ؟
وإلى أيّ مدى يمكن أن تصل الأمور فيما بعد،
مع إنسان هذه صفاته ؟
هل هو أُلعُبان ؟
هل يبحث عن الأفضل ؟
هل يطلب من الأخرى ما لا يستطيعه مع فتاته
أم هو محبّ للتغيير والتنقّل كيفما كان ومع أيّ كان؟
. . إنّ بشاعة '' الأخرى '' ظاهرة للعيان
كما أن مستواها الإجتماعي، لا مجال لمقارنته مع فتاته،
ولا مع مستواه هو بالذات..
إذن،
لا يمكن أن يكون طلب الأفضل هو السبب.
هل طلب شيئاً لا يستطيعه مع '' الأولى '' ؟
ماذا يعني هذا التصرف الأرعن ؟
ألا يدلّ على حبّ في التغيير والتنقّل،
حتى ولو انحدر في الإختيار الثاني
عن المستوى المفروض ؟
الاحتمالات كثيرة لهذا التصرّف..
ولا بدّ من معرفة الحقيقة.

ولكن ممّن ؟
من الأخرى ؟
وكيف يمكن سؤالها، وما قد يسبّب ذلك من حرج ؟
!! قد يكون سؤاله هو بالذات، الأجدى والأصح
وكيف يكون ذلك،
وليس من حديث خاص بيننا يتعلّق يخصوصيّاتنا ؟
كيف بإمكاني الخوض بموضوع حسّاس دقيق،
مع إنسان لم أسمح لنفسي،
ولم يسمح هو لنفسه بتبادل أيّ خطاب ينمّ عن المشاعر ؟
ثم بأي حقّ أخاطبه،
او أحاسبه،
او ألومه ؟
وليس من رابط بيننا يتيح لي ولوج موضوع كهذا ؟
الوضع مقلق..
لا بدّ من اتخاذ موقف حاسم.
ولكن كيف ؟
واستناداً إلى أيّة معطيات سلبيّة كانت أم إيجابيّة ؟
واُتخذ القرار..
.وكانت المقاطعة

-8- الفراق

الفراق image

ـ هل كان بالأمر الهيّن عليك اتخاذ مثل هذا القرار القاسي ؟
ألم يخطر ببالك ردّة فعل موقفك هذا عليّ ؟
هل كان من السهل علينا نحن الإثنين
أن نتلقّى بسهولة أمر الفراق ؟
كم سهرت ليال دون أن يغمض لي فيها جفن.

وكم أمضيتُ ليال لم يجفّ لي فيها دمع *
ـ عددتُ نجوم السماء وسمك البحر،
وتجاوزتُ كل الأرقام بعد الألف..
ولم يغمض لي جفن.

قرأت من آيات القرآن الكريم لتهدىء من روعي وأستكين.. *
واستمريت في ذرف الدمع، خشوعاً . . بحنين.

،'' ـ اشتريت سبحه يسمّونها '' الألفيّة
مررتُ على حبّاتها ألف مرة كل ليلة،
وكان إسمكِ يقترن بكل حبة..
هل تصدّقين ؟

أفرغتُ ماء البحر نقطة نقطة، *
وكان إسمك على لساني في كلّ منها..
وطيفك يمنّيني بجنان عدن، بجنّات النعيم.

ـ إشراقة الشمس كل صباح كانت تؤمّلني باللقيا
وعلى أملها... حييت

و نور الشمس عند المغيب كان يذكِّرني بالفراق، *
لكن على أمل صبح جديد... حييت.

هربت من ذاتي..
سعيتُ إلى الحدائق، أفترش العشب الريّان،
أقطف الأزهار العطرة،
وعيناي شاخصتان إلى الخمائل
حيث تتطاير على أغصانها الطيور
مغرّدة فرحة.
كنت أناجيها،
أنثر لها حبّ القمح لتقترب منّي،
ألاعبها...
فهل أعْلَمَتْكَ بلقائي بها ؟
هل أوصلت لك سلاماً مني لم ارسله
وشوقاً لم أبثّه،
وحنيناً لم أظهره ؟
اشتممت رائحتك من نسيمها،
تراءيت لي من خلالها،
صورتك انعكست على
صفحات وجوهها،
فكنتَ أمامي أتطلع إليها
فأراك،
أتحدث إليها
فأسمعك تجيبني.
فلماذا أهرب منك وأتجنّب ملاقاتك ؟
أليس الخوف من نظرة تعكس ما في داخل النفس،
أو كلمة، هفوة
تفضح ما طُوي وأخفي،

ـ صحيح أنك صمّمتِ على المقاطعة..
ولكن هل تدركين ما حلّ بنا نحن الإثنين
بحث عنكِ قلبي في كل مكان،
ناداك من الاعماق والوجدان،
فلم يجد سوى طيف وخيال إنسان.
سنوات تمضي والحب طيّ الكتمان،
هل يخمد الحب ويطويه الزمان ؟
لا أراني إلاّ في تجدّد مع النسيان.
يلتهب، يخمد، يثور، قلبي الولهان.

ليس بعد طول السنين، سوى اشتداد الحنين. *
ظننتُ الشّعلة تنطفئ يوماً بعد يوم،
فما وجدت إلا بركاناً يختزن
حممه
ويثور كلما خلدت إلى نفسي.

ـ أدركت أنني أختزن طاقة هائلة من المشاعر الرقيقة والحب،
تبحث عن متنفّس،
عمّن يستحق هذا الحنان،
هذا الحبّ الصافي الطاهر، الذي ينساب في طيّات النفس،
وبمنأى عن الأنظار...،
في الظلمات
كي لا يشعر به أي إنسان،
يختزن كل خلجة شعور،
ثم يتفّجر متدفّقاً كسيل طاغ.

* لازمتني ليلاً نهاراً،
في يقظتي وأحلامي،
في حلّي وترحالي،
فاصبحتُ أتنّفس من رئتيك
وأنظر من عينيك
وتنبض عروقي من قلبك.

ـ هل لا زلتِ عند موقفك من البعاد..
هل لا زلتِ مقتنعة بما اتخذتِه من قرار ؟؟

* المثل الفرنسي يقول :
“Si jeunesse savait, si vieillesse pouvait.”
اي لو كان الشباب يعلم، ولو كانت الشيخوخة تستطيع .

كم لهذا المثل من أثر في نفسي،
لو كانت لي في أولى مراحل الشباب،
معرفة بنفسيّة الفتاة البشعة، وردّات فعلها أمام الآخرين،
لو كنت ادرك ما يمكن لفتاة، حرمها الله نعمة الجمال،
أن تختلقه من روايات.. بل مغامرات،
لإثبات أنها محبوبة، مرغوبة، مطلوبة..
لو كنتُ أشكّ فيما أشاعته عنكَ تلك الفتاة..
لو كنتُ أعلم أن ما يمكن أن ترتّبه هذه القصص،
التي ربما تكون مختَلقة، من أزمات ومشاكل،
وما تجرّه من نتائج تغيّر مسرى حياة الكثيرين..
لو كنت أدرك أو أتنبّه لكل ذلك ؟
ماذا يا ترى كان قد حصل ؟
والآن، مع كل العلم والإدراك والتنبّه..
ماذا أستطيع فعله؟
"لو كان الشباب يعلم" !!
لو كنت أعلم ما يمكن أن يعتمل في نفس فتاة محرومة
من الشكل الحسن أو المقبول،
هل كنتُ أصدّق ما اُلصق بك من تُهم ؟
لو كنت أدرك الألم الذي تختزنه هذه الفتاة،

عندما ترى الشبان ينفضّون من حولها إلى غيرها،
هل كنتُ اتخذتُ الموقف السلبي منك كما فعلت ؟
لو كنتُ أتنبّه لما تجرّه هذه البشاعة من تعقيدات نفسيّة،
تؤدي إلى بثّ أخبار ملفّقة،
دون أي أعتبار لما ستخلّفه هذه الأخبار
من إساءة إلى الشخص المعنيّ وإلى محيطه
وإلى أقرب الناس إلى قلبه...
هل كنتُ لجأت إلى المقاطعة
والموقف القاسي الذي اتخذتُه ؟

"ولو كانت الشيخوخة تستطيع".. !!
هل تستطيع الشيخوخة،
بما لها من خبرة ومعرفة وسعة صدر
أن تعيد الزمن إلى الوراء ؟
هل تستطيع الشيخوخة
إصلاح ما أفسدته عدم خبرة الشباب ؟

هل لي أن أسألك :
أحقاً لا زلت تحبني ؟
وكيف لي أن أسألك،
وأنا التي أعرضت عنك
وجعلتك تعاني من جرح عميق،
لا أعرف إن كان اندمل أم لا زال ينزف ؟!!
ولكن لِمَ أرَ الوجه القاتم ؟
إن المحبّ مهما لاقى
من محبوبه،
ينسى المعاناة
بلحظة حب متجدّد
وبلحظة حنان متدفّق،
وبلحظة عاطفة
تمحو الآلام
وتبلسم الجراح.

-9- اللقاء الحلم

اللقاء الحلم image

ـ بعد بحث طويل، وبعد طول انتظار.. وجدتكِ،
أغرقتُ عينيّ في عينيك،
اطمأن قلبي لقربك.
كنتِ مطرقة، غارقة ربما في أحلامك،
وأنا غارق في النظر إليك.
كم بحثت عنك.. كم انتظرتك أملاً بلقياك،
أملاً بنظرة حبّ ألقيها
بتحيّة صامتة أرسلها
بشوق عميق لا متناهٍ أبثّه..
ناجيتك من قلب ولهان،
أفضيت إليك بما يخالج شعوري وحبي العميق..
تراءيت لي
مع صمتك
تبادلينني التحية بأحسن منها،
تزفّين إليّ فرحتك بلقياي،
وبشوق يتجاوز بمعناه حدود الكلام.
كنتِ بصمتك أكثر تعبيراً عمّا في داخلك،
وكان هذا يكفيني،
يثلج جوارحي،
يطمئن بالي من استمرار محبّتك
ولا أطلب المزيد.. ولن أطلبه.
سمعتك تهمسين لي برقّة، بعذوبة،
تناجينني وتسألين عن حالي بغيابك،
تسألينني لو كنا نعاني فراقاً بالشعور ذاته،
بالألم ذاته،
باللوعة ذاتها..
وأجبتك همساً، بذات الرقّة والعذوبة،
أن حالنا واحد.. فاطمئنّي.
وأن أجيج داخلنا لا يختلف،
وأن استمرار عمق مشاعرنا،
لن يخفت ولن يتوقف.
انت مطرقة في النظر إلى المجهول،
لكن عين قلبك ترنو إلّي وتبادلني نظرة بنظرة،
وترسل إلّي شوقاً أحسست أنه لن ينتهي.
هل ترضيك تحيتي لك صباحاً...
وتحية مثلها مساءً،
فيها أستودعك الله إلى غد فيه
من أريج أزاهير روضتنا
ما يعطّر نسائمنا ؟
وتسألينني ماذا يرضيني ؟
اتعجبين إن أسررت إليك
أن صورتك في خيالي أحضنها بين ضلوعي...
وأناجيها . .وأعيش معها..
تكفيني..

* يا حبي الوحيد،
يا لهفة تشدّني إليكَ من بعيد
أمل نسجناه معاً واندثر..
وبقي الحنين في القلب له أثر.
نحن على موعد هذا الصباح،
كما كل صباح ومساء..،
لكن أتمنى عدم اللقيا اليوم،
كي لا تراني وأنا في حالة صحيّة غير مرضية.
فالزّكام يزعجني، والسّعال يؤلمني،
وزوغان العينين يعكّر مزاجي.
أتمنّى دوماً أن تراني بأحسن حلّة،
بأفضل حال، بوافر الصحّة والعافية.
ما لي أراك تتطلع إليّ بغير عين الرضا لما اقوله ؟

ـ إن روحيْنا المترابطتين لا تعرفان للمرض من معنى
و لا تعترفان بالمشيخ
فالروح تظلّ في تألّقها، في شبابها، في نضارتها،
مهما توالت عليها الأيام وطال الزمن.
أرسلي إليّ تحية الصباح كل شروق شمس،
وابعثيها إليّ مع الاثير...
ستصلني وتعيد لي
أملاً طالما حلمت به وتمنيت تحقيقه.
ولا تنسي تحيتك عند الغروب،
لأن أفوله وهمي لا يمتّ إلى حقيقة الشمس بوجودها
واستمرار أشعتها في زاوية ما من العالم،
في مكان ما من الكون،
تماماً كما هو حبنا،
حتى ولو ظهر غيابه،
فهو موجود،
مستمر،
متواصل،
وإن تراءى أنه في غروب.

* إذن،
لك مني في كل حين سلاماً
دائماً... كدوران الأرض في فلكها،
منيراً... كنور الشمس يملأ الأرض ضياء
وطريقنا أملاً.
حاراً... يبعث الدفء فينا
ليعوِّض برد الفراق والبعاد.

-10- الارتباط المستحيل

الارتباط المستحيل image

-11- أحلام لم تتحقّق

أحلام لم تتحقّقimage

* أتذكر رمال البحر
حيث بنينا عليها قصر أحلامنا بيدينا الإثنتين..
حبّة حبّة،
ثم جاء الموج ليجرفه بعد كبير عناء !!
كم ضحكنا ، كم أرسلنا مع أمواج البحر أمانينا،
لينشرها حيث يسري،
لتتسع رقعة أحلامنا،
لتتسع آفاق سعادتنا..
كم عدونا يداً بيد، على رمال الشاطئ
تداعب حبيباتها أقدامنا،
تلتصق بها كالتصاق روحيْنا..
ثم تذهب الرمال مع الأمواج وتضيع،
ونبقى صامدين أبداً
جنباً إلى جنب،
يدانا لا تسمحان حتى للهواء بأن يسري بينهما..
فكيف للضّجر ؟ّ!

ـ أتذكرين مناجاتنا في تلك اللّيلة المقمرة..
حيث كان القمر يتنصّت علينا من وراء الغيوم حيناً،
ثم يحدّق فينا بعد أن يطرد الغيوم عنه
ليرانا، ليلمس حبّنا عن كثب..
ونحن ساهون عنه،
حتى لم نشعر بوجوده ولا بنوره ولا بتنصّته،
وكأنّ العالم يختصر كلّ الكائنات فينا نحن الإثنين،
وكأننا محور يدور فيه كلّ شيء لنا، ولأجلنا ؟

اختصرنا العمر كلّه بلحظات هناء،
اختصرنا السعادة كلّها بلقاء أذاب كلينا
فأصبحنا واحداً لا ينفصل.
كم عجزنا عن الكلام..
ثم بلحظة
كم تسارع الكلام و تدفّق كالسيل..
أتذكرين ؟

* أرى أننا لا نميّز بين الواقع والخيال،
فالحقيقة تختلط عندنا بالأحلام،
ويصبحان حالة واحدة.
ما بالنا نتحدّث عن لقاءات لم تحصل،
ومناجاة لم تر النور ؟
أين هي تلك الرمال التي بنينا عليها قصر أحلامنا ؟
أين هي الأمواج التي جرفت ذلك القصر
الذي لم يُتح لنا الزمان بناءه ؟
اين هو القمر الذي أخذ يتنصّت إلينا،
ومتى ؟
أين هي لحظات الهناء التي أمضيناها معاً ؟
أين وأين ؟؟

صحيح أننا بنينا قصوراً..
ولكن كلّ منا كان يبنيها منفرداً،
وكان بناؤها في الهواء الذي أطاح بها.
صحيج أن هناك أمواجاً تجرف الرمال..
ولكنّها جرفت سعادتنا معها..
دون لقاء
ودون نزهات.

صحيح أن روحينا كانتا ملتصقتين،
الا أنهما لا زالتا تهيمان،
تبغيان اللقاء.

صحيح أننا صامدان،
لكن دون أن نكون جنباً إلى جنب.
يدانا كلتاهما متّجهتان نحو السماء،
تطلبان تحقيق الأماني المستحيلة،

ولم تتشابكا يوماً إلاّ في الأحلام.
هي تخيّلات عشناها وكأنّها حقيقة :
عدوْنا
ونحن مسمّرين في مقعدينا.
ضحكنا
وعقدة جبيننا تأبي الإنفكاك.
سبحنا معاً في بحر..
لا ماء فيه،
وسرحنا في أجواء الفرح
والغصّة كامنة في الحلق.
سعدنا بحب يملأ حياتنا
وفراغ القلب يملأ كياننا
كانت الأحلام موئلنا بغير رقيب
فأحلام اليقظة تشفي بغير طبيب
ويهنأ القلب بحبّ بغير حبيب

-12- الأماني

الأماني image

ـ ماذا تتمنّين ؟؟

قالها وكأنّ في يده فانوس علاء الدين السحري،
بلمسة من يديه، يلبّي لها رجاءها وأمنياتها.

* أن أُسند رأسي على صدرك
وأغفو وأحلم
ثم أغفو وأحلم..
أرقص على نغمات دقّات قلبك
لأشعر بدفء الحنان يغمرني،
وبلمسة ملؤها الحب تحيط بكياني،
فأنسى قسوة الماضي وألمه،
أطير في أجواء صافية نقيّة،
يحملني قلب طاهر..
لقد سئمت الرياء،
كرهت النفاق،
اصبو إلى دفء بعد قرير شتاء قاس،
إلى عطف حقيقي
بعد سنوات من التمثيل المملّ من الآخرين
والتظاهر بمشاعر زائفة بعيدة عن الحقيقة.
هذا ما أطلبه..
أن أزيح عن صدري كابوساً،
أفسح للهواء النقيّ أن يدخل رئتيّ
وينفث ما علق بهما من نفايات الآخرين.
أرغب في أن ألقي حملاً ثقيلاً عن كتفي
أرهقني..
أقضّ مضجعي.
وأن تكون بجانبي.. تؤازرني.
ـ سأكون لكِ المعين والسند،
لأنني اخترتك لتكوني ملكتي،
أضع على رأسك تاجاً مرصّعاً ،أبتاعه لك أنا،
من جهدي ومالي،
ألبسك الخزّ والحرير،
وأريحك على فراش وثير،
أزرع طريقك بورود منزوعة الشّوك،
وأتذوق معك عسل العمر،
دون أن تلسعنا إبر النّحل..
حلمت لك بنعيم نعيش حلو جنّاته
نسبح في فضاء السعادة أبدياً..
لِمَ اخترتِ الخيش لملابسك..
والحصير لرقادك..
والشوك لمسارك..
ووخز النحل دون الشهد لطعامك ؟

* بعد الذي سمعته عنكَ
أعرضتُ عنكَ وبحثت :
عن الوفاء..
لأنه كان بالنسبة لي كل
المبتغى
ودفء الحنان الدائم..
لأنه كان لي كل المرتجى
وهو الدرع الذي يحمي من حمأة كل العذابات،
ويقي من أشواك الورد
ولسع النحل
ورزايا الزمن.

ـ وهل نلتِها بعيداً عني ؟

* . . . . . . !!

-13- ... السنوات تمضي

... السنوات تمضي image

* كلانا يتجنّب لقاء الآخر، مع رغبته الشديدة به.. ،
تناقض لا يدرك حقيقته،
سوى من تمتّع بخلق قويم
وشرفٍ في التعامل مع من يكنّ له كل مودّة،
بل كل حبّ،
دون المساس بكرامة النّفس.
فراحة الضمير تُبدّى على كلّ شيء،
وصون السمعة فوق كل شعور
وأغلى من كل عاطفة.
إن كان هذا موقفي..
فأنتَ لست ببعيد عنه،
ولو لم نتخاطب أو نتصارح بأسباب التباعد الظاهر...

إلتقينا في جلسة للمرة الأولى
بعد عقود طويلة من معرفة كلانا للآخر.
كان لقاء فيه من سمو الخلق في التعاطي،
ما لا يمكن أن يكون بأفضل أو أرقى.
أتذكر عندما انتهى اللقاء وترافقنا نحو المصعد ؟
لقد تسمّر نظري في الأرض، منتظرة وصول المصعد.
لم أتطلع إليك،
لم أرد أن تتلاقى نظراتنا..
ومضيتُ في سبيلي بعد ذلك
جذلى، فرحة،
تغمرني السعادة بلقياك والتحدث إليك..
ولو كان حديثاً بعيداً كلّ البعد عمّا يختلج في قلبينا.
لم أتطلع إليك.. خوفاً.
نعم، خوفاً من نفسي،
من داخلي،
من شعوري أن يبين على عينيّ..
فتفضحان ما أخبئه
وأحاول طيّه.
ألخوف من بريق في العينين،
يعبّر عمّا في داخلي..
فمفتاح المعدة... لقمة
ومفتاح الأحاديث...كلمة
ومفتاح القلب.. نظرة.
يكفي أنكَ قرأتَ شيئاً كتبتُه أنا،
وأعدتَ قرأءته بصوت عالٍ،
وطلبتَ الاحتفاظ بصورة عنه ـ رغم أن لا علاقة له بك ـ
لأعرف ما بداخلك من شعور عاد واستيقظ.
سامحني إن كان هذا الشعور لم يَنَم بعد
ولا زال في يقظة منذ عقود طويلة..
إذن كان خوفي من تلاقي نظراتنا،
لئلا نضعف،
والضعف ممنوع على أمثالنا.
لا تقل أن ليس من عواطف لديك قد تحرّكت..
فإسمي رأيته مكتوباً على مفكّرتك
ولأيام عديدة.
لا تُنكر !
لن أبوح بشيء من هذا.
أعِدُك.
أتذكر ؟؟

ـ كنتُ اجلس على رأس طاولة مستطيلة،
عندما دخلتِ الغرفة.
هي طاولة اجتماعات حولها الكراسي الجلديّة.
المباحثات بيننا ستسغرق وقتاً.
كان لا بد لكِ من الجلوس قريباً مني للتداول.
حاولتِ سحب أقرب كرسيّ مني،
من الجهة الثانية من الطاولة،
لم تُسحب الكرسي رغم محاولتك.
كانت رجلي تدفعها إلى الداخل، كي لا تخرج من مكانها.
سحبتِ الكرسي التالي، وجلستِ.
أتذكرين ؟

كان قربكِ مني لا بدّ وأن يحرّك المارد في داخلي،
أن يثور
ويعلن العاطفة المكتومة..
آثرت أن تكون المسافة بيننا أبعد، ولو قليلاً،
عدة سنتمترات.
ظننتها كافية كي لا تلاحظي اضطرابي وشوقي،
كي لا تلمحين عن قرب ما كتبتُه عنك في مفكّرتي.
أتذكرين ؟
أترين كم ظلمنا أنفسنا ولا نزال ؟!
أترين كم قسى علينا الزمن ؟!
أترين كم هي ضريبة الأخلاق القويمة، باهظة الثمن ؟!

* وبعدها، اتّصلتَ هاتفياً
أتذكر حديثنا ؟
بالتاكيد لم تنس،
إذ أنك ذكَّرتني بأحداث عديدة، طوتها سنوات طوال،
فلا يمكنك نسيان حديث لم تمرّ عليه أشهر بعد.
لقد تأكدتُ من خلال ذلك الحديث،
أن ما تركه اللقاء الأول في نفسي،
لم يكن ليختلف عما كان له من أثر عليك.
لكن،
حرِص كل منّا على الإلتزام بحدود معيّنة.
أمّا حديث الهاتف هذا،
فكان خطوة متقدّمة على طريق البوح..

وطبعاً، مع كامل الضّوابط الخلقيّة،
وعدم الإساءة إلى النّفس والآخرين.
أتذكر عندما سألتك..
ودائماً من خلال حديثنا الهاتفي..
إن كنت تحبّ الحصول على بعض المعلومات.
لم تدعني أُكمل جملتىِ حينها..
بل استوقفتني بعد قولي " إن كنتَ تحبّ.. "
فردّدتَ فوراً كلمتي الأخيرة...
بأسلوب ينبئ عما في داخلك من شعور،
لكن بطريقتك المهذّبة المعهودة،
وهذه شيمتك في الحفاظ على مستواك
وسمعة من تخاطب..
ولا مانع من زلّة لسان،
ولو بالتلميح . . . ولو بكلمة تختصر مجلّداً.
أمّا أنا، فلم أعد أستطيع الكلام..
دوار في رأسي لجم لساني، إلاّ أنه حرّك مشاعري،
وزاد من عزف دقات قلبي،
فعشت على نغمات تلك السيمفونية.
إنّها سيمفونية الحبّ الخالد،
المحلّق في أجواء نقيّة،
فلا يطاله تلوّث المادة.

-14- الإلغاء المستحيل

الإلغاء المستحيل image

* ألغيت من مفكّرتي إسمكَ ورقم هاتفك،
أملاً في إلغائك
من كياني،
من أحلامي،
من التصاق طيفك بكل دقائق حياتي.
محاولتي تلك ما استمرت ثوانٍ..
حتى وجدتُ صورتك
تلازم ناظري،
وإسمك يتراءى لي في كل حرف أقرأه،
ورقم هاتفك يتمثّل أمامي مع كل رقم أكتبه،
أو رنين هاتف أسمعه.. أو أتوهم سماعه.
لا فائدة من محاولة النسيان وكبت المشاعر..
فالكبت يولّد تأجيجها،
والهروب يعمّق الإحساس بها.
لِمَ السير عكس ما اخطّته القدر ؟

ـ أي ذنب ارتكبتُه بحقِك، يستوجب هذا الإلغاء ؟
لا بد أنكِ تتألّمين من موقف معيّن،
دفعك إلى التفكير بإلغائي :
هل بادرتِني بتحية لم أردّها لك ؟
هل اتصلتِ بي ولم أُجب ؟

* ... !!

ـ لقد تذكرت..
ولكن ليتك ِتدركين ظروفي،
إذن لما كان العتب أو الإلغاء من المفكّرة والذاكرة.

*ألإلغاء ؟ ليتني أستطيعه..
كانت محاولة فاشلة،
ما زادتني إلاّ تصميماً على الإستمرار.
إلاّ أنّني
وفي اللّحظة التي تصرفتَ بها كما تصرفت،
شعرتُ بصدمة عنيفة،
جعلتني ألجأ مباشرة إلى مفكّرتي،
أنفّس عن غضبي،
فما كان أمامي سوى الإسم أمسحه،
ورقم الهاتف أمحو أثره..

ـ ألا تعتقدين أنكِ ظلمتني بردة فعلك هذه ؟

* ألم أقل لكَ إن محاولتي باءت بالفشل ؟
أتعلم لماذا ؟
لن أدعك تتكهّن،
لن أدعك تتذكّر ردّة فعلي منذ عقود طويلة.
في السابق، عندما سمعتُ عنك ما سمعت،
كانت الخبرة في الحياة تنقصني،
وكانت ردّة الفعل تتناسب مع ضيق الأفق
وعدم التحليل
التي توصل إلى نتائج
قد لا يرغبها المرء بعد سن النّضوج..
وكم يندم بعد فوات الأوان !
أما الآن، فالمشكلة أصبحت توضع على المشرحة،
بكل جزئياتها وتفاصيلها،
بأسبابها وخلفيّاتها..
فتبدو الرؤية أكثر وضوحاً،
و ربما التبريرات لأي موقف
تصبح أكثر عقلانيّة وواقعيّة.
منذ سنوات،
وبعدما سمعت عنك ما سمعت،
ردّة الفعل كانت نتيجتها المقاطعة والبُعد..
دون سؤال،
دون التثبّت من صحة ما يقال.
وأدركت أن الخطأ في سنّ مبكرة
غير مسموح به مع تقدّم العمر.
لهذا، لم يدم " الإلغاء " سوى ثوان
أعدتُ بعدها كتابة الإسم ورقم الهاتف.
و لم يصل الإلغاء إلى الأعماق والمشاعر،
بل أُغلقت الأبواب دون تسرّبه إلى حنايا النّفس،
واقتصر على محو مادي
لم تتأثّر به سوى ورقة،
أُعيد إليها نور الأمل بكتابة ما تمّ محوه منها.
ـ تسامحكِ هذا
يذكّرني بما حصل لي منذ فترة وجيزة :
كنتُ ماراً قرب مركز عملي،
لمحتك من بعيد تسيرين ببطء
وكأن شيئاً يشغل تفكيرك ويستحوذ عليه.
قلت في نفسي
لا بدّ وأنك ستمرِّين بقربي،
ويكون لنا لقاء ولو قصير.
أبطأتُ خطاي حتى تصلين إليّ..
وجدتك تتلفّتين إلى مكان عملي
وكأنّك تنتظرين رؤيتي.
وفجأة
مررتِ بالقرب مني..
لم تنظري إليّ، لم يستوقفك وجودي،
تجاهلتِني .
ومضيتِ في طريقك كنسمة في ليل حار..
مضت النّسمة دون أن تلطّف أجوائي..
وضاع الأمل باللقيا.

حزّ ذلك في نفسي،
وظننتُ حينها أنك تقصدين إهمالي.
صَعُب عليّ الأمر
واستعدتُ ذكرى الماضي الأليم،
فزاد ألمي.
أتذكرين ؟

* وهل غفرتَ لي هذا الإهمال ؟
هل ألغيتَني من ذاكرتك ومذكّرتك ؟

ـ أنتِ عسلي المصفّى،
أنت التي أبقيتك في حنايا الضلوع زمناٌ
لأتحقّق من حبّي،
من صدق مشاعري،
ومن حفظك في مكان مأمون.

ومن استطاع أن يحافظ على زخم المشاعر
سنوات طوال،
هل بإمكانه أن يخطو خطوة نحو هذا الإلغاء ؟

* سأعترف لك بالحقيقة :
يومها..

كنتُ أقصد المرور من ذات الشارع مشياً على الأقدام..
علّني ألمحك،
أسلّم عليك،
أتبادل معك بعض عبارات التحية
والسؤال عن الصحّة،
ولا مانع من إطالة الحديث
وربما السير معاً ولو لخطوات قليلة.
كنتُ أُمنّي النفس بهكذا لقاء،
أردتُ أن يبدو عفوياً،
والحقيقة أنني خطّطتُ له وسعيتُ إليه.
وكم كانت فرحتي عندما لمحتُك من بعيد.
أسرعتُ الخطى حتى لا تغيب عن ناظري..
ثم أبطأتُ وقلتُ في نفسي :
لا بد وأن نلتقي اذا كان مقدّراً لنا ذلك،
وعليّ التمهّل، إذ لو رآني مسرعة
فربما اختصر التحيّة أو أعرض عن محادثتي،
رغبة منه في عدم إزعاجي
ظنّاً منه بأنّني على عجلة من أمري.

اقتربتُ منك بضع خطوات،
ومع كل خطوة أمل يتفتّح،
وخفقة قلب تتسارع،
وأحلام ورديّة تتراءى..
سألتقيه،
سأحيّيه،
سأحدّثه،
سأطلق لعواطفي العنان
وأسمّر ناظري في ناظريه.
وفجأة،
أخفضت رأسي،
ومررت من أمامك مسرعة
وقطعت الشارع إلى الناحية الأخرى،
وتابعت سيري..
وأسدلتُ الستائر على أحلامي.
نعم تجاهلتك،
مررت بك على بُعد أمتار قليلة،
دون الإلتفات إليك،
دون إلقاء تحيّة ولو عابرة،
وتذكّرت في تلك اللحظة شعر نزار قباني الذي يقول فيه :
كم تُظهر الأنثى صدوداً
وفي أعماقها حرّ الهوى المحرق

ـ كلانا من طينة واحدة..
كلّ ما يعتمل في داخلنا، نكبتُه، نخفيه،
فما يزداد إلاّ عمقاً وتجذّراً.
كلّ منّا قد خَبر الآخر دون التكلم إليه،
دون مصارحته.
فالتسامح متبادل
والعاطفة كذلك.

-15- هل لي بجواب صريح؟

هل لي بجواب صريح؟ image

*عيناكَ تنبئان بعمق العاطفة،
كلماتكَ تنمّ عن حبّ دفين،
أغلقت دونه أبواب السعادة،
فما بقي إلاّ الحنين تلتجىء إليه للذكرى،
لتخفّف وطأة الفراق وعذابه.
الماضي، استعاد ذكرياته كلانا :
كلّ نزهة ذكّرت بما تلاها،
كلّ بسمة أيقظت حنين لقاء،
كلّ طائر غرّد، استتبع إحياء زقزقات سمعناها،
كلّ حدث أنعش الذاكرة لحدث آخر..
كان كلّ منا يذكّر الآخر باشياء
اعتقد أنّ النسيان قد طواها،
فبعثنا الماضي البعيد،
وأوضحنا ملابسات عديدة، كانت في ضمير كلّ منّا،
وفي داخله و في سرّه.
كتابنا الذي كان مغلقاً في طيّات نفوسنا،
سمحت الأيام بعد بلوغ عمر معيّن
أن نفتح أوراقه،
ونقرأ أحداثه ونوضح ملابساته.

لم يعد يضيرنا بثّ شعور أخفيناه،
ولا إظهار عاطفة ألقينا عليها ستاراً كثيفاً
حتى لا تبين للعيان.
فالأخلاق، رغم حضورها الدائم،
وسيطرتها على كلّ خطوة أو لفتة،
لم تعد تجرحها كلمة تجنّب اللسان لفظها فترة الشباب،
ولا تلعثم اللسّان
واحمرار الوجنتين
وارتعاش اليدين
له حيّز ومساحة في هذه المرحلة العمريّة.
فالمناعة أصبحت متأصّلة
ولا خوف من زلاّت..
كما لا حرج من بعث الذكريات البريئة.
إلا أن تساؤلاً لا زال يدور في ذهني،
ولا أجد له جواباً..
أحاول عدم إثارته،
لا بل أسعى إلى دفن الموضوع،
تناسيه،
واعتبار أنّ ما مضى يجب طيّ صفحته..

فما أجدني إلاّ في تذكّر دائم،
بل وفي لهفة شديدة لمعرفة الحقيقة.
وأتمنى عليكَ مصارحتي :
لماذا لم تجبني عندما أعلمتكَ بما سمعتُه عنك ؟
هل كان أكذوبة ؟
وشاية ؟
تشهيراً ؟
حقداً ؟
هل كان بدافع إبعادي عنك للإستئثار بك ورغبة فيك ؟
أم كان نقلاً عن واقعة حصلت فعلاً،
أراد أصحابها إيصال الرسالة لمن يعنيه الأمر ؟

ـ وماذا تظنّين ؟
ماذا تعتقدين ؟

* في الماضي، اعتقدت أن ما سمعته هو الحقيقة
لذا انكفأت.

ـ والآن، بعد خبرة السنين التي اكتسبتِها،
بعد معرفة البشر وطينتهم،
بعد معاشرة فئات مختلفة من حيث الأخلاقيات
والنّفسيات. .
ماذا تقولين ؟

* عرفتُ أنماطاً عديدة من النّاس :
منهم الصّادق بطبعه،
والصّادق لغاية في نفسه،
منهم الكاذب تفاخراً بذاته وبقدراته،
ومنهم الكاذب بغاية إيذاء الغير..،
منهم الصريح الودود..
ومنهم الكتوم اللئيم..
ولو أردتُ ذكر صفات البشر،
لاستغرق الوقت مني ساعات.
ما الأمر ؟
كنتُ أطرح عليكَ سؤالاً،
فأصبحتَ أنت السائل.
كنتُ أطلب منك إجابة تُختصر بكلمة،
فما رأيتك إلاّ تستدرجني
فتصبح اجابتي كلمات وكلمات.
هل أفهم من موقفك هذا، أنه تهرّب من الإجابة
وهروب من قول الحقيقة ؟

ـ لو قلت لكِ إنني براء من هذه التهمة..
اخاف أن أُصدم بعدم تصديقي..،
فُتضاف إلى صدري طعنة أخرى،
وإلى قلبي جرح آخر.
وإن قلت لك إن ما نُقل
إليك كان فعلاً قد حصل..
لا بد أن ينتقص ذلك من احترامِك لي،
وقد أفقد ثقتك وحبّك،
وما رغبتُ يوماً بخسارتك.
يكفيني أنني لا زلت في ذاكرتك وقلبك
خلال هذه السنين الطويلة..
ويكفيك إثباتاً لمشاعري،
أنني لا زلت أحتفظ لك بكل مودّة ومحبة.
أوكّد لكِ..

لم تجتمع عندي اثنتان في الوقت ذاته.

أرجو أنني كنت واضحاً في إجابتي،
وآمل ألا اكون بتوضيحي هذا،
قد سبّبتُ لك أسفاً عميقاً لموقفك السّابق.

* أمران يتجاذبانني :
أولهما أرغب فيه، لكن أخاف نتيجته،
وثانيهما، أودّ استبعاده.. لكن أرتاح لآثاره !!

هل رأيت كيف أرغب في الشيء وضدّه معاً ؟
أتعجب من قولي ؟
أتستغربه ؟
أرى الذهول في نظرتك..
ألا تدرك معنى ومغزى ومرمى ما أقصده ؟

ماذا أرغب ؟

أن أصدقك فيما تقول،
وأنّ ما أُشيع عنك، لم يكن إلاّ دسيسة رخيصة،
لغاية لم يستفِد منها مُطلقها،
وكانت الخسارة من نصيب الجميع.

ما النتائج التي تخيفني ؟
أسف وحزن سيدوم، على ثروة خسرتها،
على كنز أضعته،
على جوهرة ثمينة تعاملت معها
وكأنها حجر دون قيمة
ألقي في زاوية المهملات.

وماذا أودّ استبعاده ؟
تصديق لإشاعة اتضحت أنها حقيقة.
هذه الحقيقة ستسدل السّتار عمّا نسمّيه وفاء،
حيث لا ثقة يمكن محضها بعد ذلك لكثيرين.

وكيف لي أن أرتاح لذلك ؟
سأطمئن نفسي بأن قراري السابق لم يكن أرعن،
وأنني انسحبتُ من ساحة معركة،
كانت خسارتي فيها مؤكّدة،
ومعاناتي لا بدّ ستكون رفيقة لي في حياتي .

أصدّقك أم لا!!
عواطفي تتّجه ناحية،
وخبرتي بالآخرين تدفعني
إلى اتجاه معاكس.
وكأن سفينة حياتي تتلاعب بها أمواج القدر،
وكأن سماء عمري تتداخل فيها سحب المطر
وإشراقة الشمس،
قرّ الشتاء، وازهرار الربيع.
قلبي تتنازعه براءة الطفولة،
وحذر الملسوعين.
تتوالى عليّ رغبة في الإنتقام،
ثم تسامح لم يعهده نبيّ أو حليم..
الأجيال تتصارع..
لكنّ الحياة تسير وتستمرّ.
الأمواج تتلاطم..
ويبقى البحر صامداً لا ينضب ماؤه.
وكذلك القلب والعقل في تناغم وتصادم..
ولا ينفكّ القلب ينبض، والعقل يدبّر.
أُصدقك أم لا!!
لم يعد هذا بالأمر الخطير،
بعد أن كست الثلوج رؤوس الجبال.

-16- التفوّق على الذّات

التفوّق على الذّات image


أرسلت إليه بنسخة من كتابها..
من قصتهما،
وبعد يومين اثنين، رنّ الهاتف مزقزقاً.
رفعت السّماعة، وإذ بصوت أليف إليها يقول :

ـ صباح الخير

* صباح الخير، نعم

ـ هل لي بلقياكِ ؟

كان صوته المتهدّج يعلن بصراحة أنّه قد قرأ القصة،
وعرف أبطالها.
لا يمكن إلاّ أن يكون هو المعنيّ :
كلماته، تصرّفاته، أخلاقياته..
كلّ كلمة كان هو المقصود بها،
منذ الاهداء، وحتى النهاية.
لم تجب.
لم تجد الكلمات التي ترّد بها.
علّها فقدت حاسّة النطق ؟
علّها فقدت الذّاكرة
في استجماع الأحرف القليلة لتردّ التحية ؟
أحسّت كأن قلبها قد توقّف عن الخفقان.
تسمّرت في مكانها..
مِمَ ؟
لا تعلم،
أهي الصدمة ؟
أبداً، إذ كانت تتوقع هذه المكالمة وتترقّبها كل ثانية.
إذاً
لِمَ الضياع والإضطراب ؟
أهي أوّل مكالمة من حبيب غال
في أولى سني المراهقة ؟
ولِمَ لا ؟
لقد أعادها صوته عقوداً من السنوات،
امّحت في تلك اللحظة سنوات طويلة طويلة،
فما أحسّت إلاّ بشباب متدفّق يبرز فجأة من داخلها،
ينسيها العمر كله، ويعيدها إلى ريعان الصبا،
بكل ما فيه من براءة،
من خجل
من قلّة تجربة
من أحلام
من حبّ بكر
من تفتّح على الدّنيا..
وعلى حبٍّ أول، ولا أروع.
استمرّ صمتها ثوان.. أحسّها هو دهراً،
يا للمفارقة !
بلحظة، عادت بعد سماع صوته.. سنوات
وبثوان.. تقدّم الوقت به دهوراً !!
لم يسمع صوتها،
بل أحسّ بأنفاسها المتلاحقة، المتسارعة.
أدرك أنها تستعجله اللقاء على نفس الوتيرة.
فأعاد السؤال :

ـ هل لي بلقياك ؟ أتسمعينني ؟

وهل غاب عنها صوته يوماً ؟
تسمعه..
تسمعه الآن كما كانت دوماً
مع نسيم الصّباح،
مع زقزقة العصافير
وهديل الحمام وهو يناجي أليفه..
تسمع دقّات قلبه الخافق بِوَلَه،
تذكر يده المرتجفة حبّاً
تذكر عينيه الشاردتين هياماً..
تذكر كلّ ذلك،
ولكنّها لا تقوى على التعبير أمامه..
حتى ولو من خلال الهاتف.

* بكل سرور،
حدّد الزمان والمكان..

وسأكون جاهزة.

والتقيا.
وقف كلّ منهما تجاه الآخر،
صامتاً،
مشدوهاً
عاجزاً عن التفوّه بكلمة.
فقط العينان تلتقيان..
ثم يغضّان الطرف.

إنها براءة الطفولة،
وطهارة القلب،
وصفاء السريرة.
لم يتبدّلا.. ولن يكون غير ذلك.

-17- حتى آخر العمر

image حتى آخر العمر


على رابية تشرف على البحر، وتحيط بها
غابات الصّنوبر والشربين من جميع الجهات،
أُقيم بناء ضمن حديقة،
وكأنّها قطعة من جنّة..
فيها الأزهار والأشجار المثمرة،
وبركة يصبّ فيها شلاّل ماء عذب رقراق.
على مقعد في هذه الحديقة الغنَّاء،
وعلى أنغام زقزقة العصافير حيناً،
أو في غرفة المكتب،
كانا يجلسان جنباً إلى جنب،
تقرأ له وتعيد قرأءة هذه القصة..
حتى حفظاها عن ظهر قلب، لأنها نابعة من القلب.
وفي بيت المسنّين الرائع هذا،
كان لقاؤهما حتى آخر العمر.